التفريق بين الأَنْبِيَاء وبين الرسل صحيح، ويدل عليه حديث أبي ذر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وهو حديث طويل، يسأل فيه أبو ذر رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أمور كثيرة.
ومن آخرها {سأله عن آدم، هل كَانَ نبياً؟
فقال له الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم نبي مكلَّم.
فقَالَ: يا رَسُول الله كم عدد الأنبياء؟
قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مائة وأربعة وعشرون ألفاً، والرسل ثلاثمائة وبضعة عشر} .
وهذا الحديث ورد بعدة طرق، وصححه بعض العلماء.
يقول بعض العلماء: إن عدد الأَنْبِيَاء كعدد أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعدد الرسل كعدد أصحاب بدر .
فهنا مناسبة بين عدد الأَنْبِيَاء وبين عدد الرسل من جهة، وبين عدد أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جميعاً وبين عدد أصحاب بدر خاصة.
فهَؤُلاءِ الرسل الذين هم من ضمن المائة والأربع وعشرين ألفاً هم الذين جاءوا وبعثوا إِلَى أمم كافرة، ولهذا الذين قص الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في القُرْآن قصصهم مع أقوامهم هم من الرسل، ولهذا مع أن آدم عَلَيْهِ السَّلام نبي كما جَاءَ في الحديث، وفي غيره من الأدلة.
ففي حديث الشَّفَاعَة الصحيح يقول الناس: يا نوح إنك أول رسول ، إذاً آدم عَلَيْهِ السَّلام نبي، ونوح أول الرسل، بمعنى: أنه جَاءَ إِلَى قوم كافرين.
فبعثه الله بعد أن تخلى النَّاس عن التوحيد، وارتكبوا الشرك يوضحه قوله تَعَالَى في الحديث القدسي: {وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم }
كما جَاءَ ذلك في حديث عياض بن حمار رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فلما اجتالتهم الشياطين بعد قرون، قيل: إنها عشرة.
كما قال عبد الله بن عباس -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: بعد عشرة قرون من آدم عَلَيْهِ السَّلام وقع الشرك في قوم نوح، فأشركوا، فجاء نوح عَلَيْهِ السَّلام، لكن الأَنْبِيَاء قبل نوح موجودون، ومنهم آدم وقيل إن منهم إدريس عَلَيْهِ السَّلام، وفي الرسل هود، وصالح، وموسى، هَؤُلاءِ الرسل سمُوا رسلاً؛ لأنهم واجهوا أقوامهم بدين جديد فكذبهم أقوامهم في ذلك.
فهذا هو أوضح وأجلى الفروق بين النبي وبين الرسول أما بقية كلام المُصنِّف فصحيح، فإن الرسل أخص من الأنبياء، ولذلك عددهم أقل، وهذا هو الراجح، وهو ما اختاره شَيْخ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ وغيره من المحققين.
فكل رَسُول نبي، وليس كل بني رسول؛ لأن من بعثه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى قومه عَلَى شريعة من قبله وأوحى إليه أن يبلغهم فلا يسمى رسولاً عَلَى هذا الاصطلاح، وإنما هو نبي من الأَنْبِيَاء.