.اخواني أخواتي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اردت ان نتكلم عن السيرة النبويه والتي من جد نحن اغفلنا سيرة رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم . وصاااار شغل الشااااغل منا الدنيا والماااده قبل كل شي ونسينا قدوتنا وحبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم نسيبا هديه والاقتداء به ........
لا اقول الكل نسى ولكن الذكرى تنفع المؤمنين
اخواني واخواتي اتمنى ان نسعى لنشر سيره رسولنا الحبيب الكل بطريقته سواء بمدرسة او محل عمل وهاكذا ......حتى يكون لنا الاجر
علم نفسك السيرة النبوية -مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن استن بسنته واهتدى بهديه واقتفى أثره وسار على نهجه إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الصورة العملية التطبيقية لهذا الدين، وجميع الطرق الموصلة إلى الله تعالى ثم إلى الجنة موصودة ومغلقة إلا طريقه صلى الله عليه وسلم، ويمتنع أن تعرف دين الإسلام ويصح لك إسلامك بدون معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف كان هديه وعمله وأمره ونهيه ومنهجه وسنته؟.
لقد سالم وحارب، وأقام وسافر، وباع واشترى، وأخذ وأعطى، وما عاش صلى الله عليه وسلم وحده، ولا غاب عن الناس يوماً واحداً، ولا سافر وحده.
وقد لاقى صنوف الأذى، وقاسى أشد أنواع الظلم، وكانت العاقبة والنصر له.
بعث على فترة من الرسل، وضلال من البشر، وانحراف في الفطر، وواجه ركاماً هائلاً من الضلال والانحراف والبعد عن الله، والإغراق في الوثنية. فاستطاع بعون الله أن يخرجهم من الظلام إلى النور، ومن الضلال إلى الهدى ومن الشقاء إلى السعادة، فأحبوه وفَدَوْهُ بأنفسهم وأهليهم وأموالهم، واقتدوا به في كل صغيرة وكبيرة، وجعلوه نبراساً لهم يستضيئون بنوره، ويهتدون بهديه فأصبحوا أئمة الهدى وقادة البشرية.
وما أصيب المسلمون إلا بسبب الإخلال بجانب الاقتداء به، والأخذ بهديه، واتباع سنته، وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
حتى اكتفى بعض المسلمين من سيرته بقراءتها في المنتديات والاحتفالات، ولا يتجاوز ذلك إلى موضع الاهتداء والتطبيق....
وبعضهم بقراءتها للبركة، أو للاطلاع على أحداثها ووقائعها، أو حفظ غزواته وأيامه وبعوثه وسراياه.
وهذا راجع إما لجهل بأصل مبدأ الاتباع والاهتداء والاقتداء، وعدم الإدراك بأن هذا من لوازم المحبة له صلى الله عليه وسلم، وإما لعدم إدراك مواضع الاقتداء من سيرته صلى الله عليه وسلم؛ نظراً لضعف الملكة في الاستنباط، أو لقلة العلم والاطلاع على كتب أهل العلم.
إن سيرته صلى الله عليه وسلم رسمت المنهج الصحيح الآمن في دعوة الناس، وهداية البشر، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومن الشقاء إلى السعادة. وما فشلت كثير من المناهج الدعوية المعاصرة في إصلاح البشر إلاّ بسبب الإخلال بهديه والتقصير في معرفة سنته، ونقص في دراسة منهجه صلى الله عليه وسلم في هداية البشر وإصلاحهم.
لم يكتب لأحدٍ من البشر من الأثر والخلود والعظمة ما كتب لصاحب النسب الشريف - صلى الله عليه وسلم- .
ولقد دونت في سيرته الكتب ، ودبجت في مديحه القصائد، وعمرت بذكره المجالس ، وبقيت عظمته قمة سامقة لاتطالها الظنون .
تقلبت به صروف الحياة من قوة وضعف ، وغنى وفقر ، وكثرة وقلة ، ونصر وهزيمة ، وظعن وإقامة ، وجوع وشبع ، وحزن وسرور ، فكان قدوة في ذلك كله، وحقق عبودية الموقف لربه كما ينبغي له .
ظل في مكة ثلاث عشرة سنة ، وما آمن معه إلا قليل ، فما تذمّر ولا ضجر ، وجاءه أصحابه يشتكون إليه ويسألونه الدعاء والاستنصار فحلف على نصر الدين وتمام الأمر ، وأنكر عليهم أنهم يستعجلون ، فكان الأمر كما وعد ، علماً من أعلام نبوته ، ونصراً لأمر الله ، لا للأشخاص .
وكان من نصره أن تأتيه وفود العرب من كل ناحية مبايعة على الإسلام والطاعة فما تغير ولا تكبّر ، ولا انتصر لنفسه من قوم حاربوه وآذوه وعاندوا دينه .
كما كان يقول أبو سفيان بن الحارث :
لعـــــمرك إني يوم أحمل راية
لتغــلب خيل اللات خيل محمدِ
لكـــالمدلج الــحيران أظلم ليله
فهذا أواني حين أهدى وأهتدي
هـداني هــــادٍ غير نفسي ودلني
عـلى الله من طردته كل مطرد
وما حملت من ناقة فوق ظهرها
أبر وأوفى ذمــــة من محــــمد
فاستل العداوات ، ومحا السخائم ، وألّف القلوب ، وأعاد اللُّحمة ، وعرف عدوُّه قبل صديقه أنها النبوة ، وأنه لم يكن صاحب طموح شخصي ولا باني مجد ذاتي ، وإن كان الطموح والمجد لبعض جنوده .
تعجب من عفويته وقلة تكلفه في سائر أمره ، واحتفاظ شخصيته بهدوئها وطبيعتها وتوازنها مهما تقلبت عليها الأحوال، واختلفت عليها الطرائق .
قل إنسان إلا وله طبعه الخاص الذي يبين في بعض الحال ويستتر في بعض ، ويترتب عليه استرواح لقوم دون آخرين ، ويحكم العديد من مواقفه وتصرفاته حاشاه -صلى الله عليه وسلم- .
فهو يُقْبِل بوجهه على كل جليس ، ويخاطب كل قوم بلغتهم ، ويحدثهم بما يعرفون ، ويعاملهم بغاية اللطف والرحمة والإشفاق ، إلا أن يكونوا محاربين حملوا السلاح في وجه الحق ، وأجلبوا لإطفاء نوره وحجب ضيائه .
كل طعام تيسر من الحلال فهو طعامه ، وكل فراش أتيح فهو وطاؤه ، وكل فرد أقبل فهو جليسه .
ما تكلف مفقوداً ، ولا رد موجوداً ، ولا عاب طعاماً ، ولا تجنب شيئاً قط لطيبه ، لا طعاماً ولا شراباً ولا فراشاً ولا كساءً، بل كان يحب الطيب، ولكن لا يتكلفه .
سيرته صفحة مكشوفة يعرفها محبوه وشانئوه ، ولقد نقل لنا الرواة دقيق وصف بدنه ، وقسمات وجهه ، وصفة شعره ، وكم شيبة في رأسه ولحيته ، وطريقة حديثه ، وحركة يده ، كما نقلوا تفصيل شأنه في مأكله ، ومشربه ، ومركبه ، وسفره ، وإقامته ، وعبادته ، ورضاه ، وغضبه ، حتى دخلوا في ذكر حاله مع أزواجه أمهات المؤمنين في المعاشرة ، والغسل ، والقسم ، والنفقة ، والمداعبة ، والمغاضبة ، والجد، والمزاح ، وفصلوا في خصوصيات الحياة وضروراتها .
ولعمر الله إن القارئ لسيرته اليوم ليعرف من تفصيل أمره ما لا يعرفه الناس عن متبوعيهم من الأحياء ، ومالا يعرفه الصديق عن صديقه ، ولا الزوج عن زوجه ، ولا كان أهل الكتاب يعرفونه شيئاً يقاربه أو يدانيه عن أنبيائهم وهم أحياء ؛ وذلك لتكون سيرته موضع القدوة والأسوة في كل الأحوال ، ولكل الناس.
فالرئيس والمدير والعالم والتاجر والزوج والأب والمعلم والغني والفقير ...
كلهم يجدون في سيرته الهداية التامة على تنوع أحوالهم وتفاوت طرائقهم .
والفرد الواحد لا يخرج عن محل القدوة به -صلى الله عليه وسلم- مهما تقلبت به الحال ، ومهما ركب من الأطوار، فهو القدوة والأسوة في ذلك كله.
وإنك لتقرأ سيرة علم من الأعلام فتندهش من جوانب العظمة في شخصيته فإذا تأملت صلاحيتها للأسوة علمت أنها تصلح لهذا العلم في صفته وطبعه وتكوينه ، ولكنها قد لا تصلح لغيره .
ولقد يرى الإنسان في أحوال السالفين من الجلد على العبادة ، أو على العلم ، أو على الزهد ما يشعر أنه أبعد ما يكون عن تحقيقه حتى يقول لنفسه :
لا تـــعرضن لذكرنا مع ذكرهم
ليس الصحيح إذا مشى كالمقعدِ
فإذا قرأ سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحس بقرب التناول وسهولة المأخذ ، وواقعية الاتباع .
حتى لقد وقع من بعض أصحابه ما وقع فقال لهم : " أنا أخشاكم لله ، وأتقاكم له، وأعلمكم بما أتقي".
وقال :" اكلفوا من العمل ما تطيقون " .
وقال : " إن هذا الدين يسر ، ولن يشادَّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا ، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ، والقصدَ القصدَ تبلغوا ".
ولهذا كان خير ما يربى عليه السالكون مدارسة سيرته وهديه وتقليب النظر فيها وإدمان مطالعتها واستحضار معناها وسرها ، وأخذها بكليتها دون اجتـزاء أو اعتساف .
إن الله -عز وتعالى- لم يجعل لأحد وراء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا المنصب الشريف : منصب القدوة والأسوة ؛ لأنه جمع هدى السابقين الذين أمر أن يقتدي بهم " فبهداهم اقتده " إلى ما خصه الله -تعالى- وخيَّره به من صفات الكمال ونعوت الجمال ، ولهذا قال -سبحانه- : " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ".
إن حياته -صلى الله عليه وسلم- وحياة خلفائه الراشدين هي المذكرة التفسيرية والترجمة العلمية لنصوص الشريعة .
ومن الخير أن تظل هذه السيرة بواقعيتها وصدقها محفوظة من تزيد الرواة ، ومبالغات النقلة التي ربما حولتها إلى ملحمة أسطورية تعتمد على الخوارق والمعجزات ، وبهذا يتخفف الناس من مقاربتها واتباعها ليكتفوا بقراءتها مع هزِّ الرؤوس وسكب الدموع وقشعريرة البدن .
إن الآيات التي تأتي مع الأنبياء حق ، لكنها الاستثناء الذي يؤكد القاعدة ، والقاعدة هي الجريان مع السنن الكونية كما هي .
وكثيرون من المسلمين ، وربما من خاصتهم يستهويهم التأسي بالأحوال العملية الظاهرة في السلوك والعبادة وغيرها ، فيقتدون به -صلى الله عليه وسلم- في صلاته " صلوا كما رأيتموني أصلي " وحجّه " خذوا عني مناسككم " وسنن اللباس والدخول والخروج …
وهذا جزء من الاتباع المشروع ، بيد أنه ليس كله ، ولا أهم ما فيه ، فإن اتباع الهدي النبوي في المعاملة مع الله تعالى ، والتجرد والإخلاص ، ومراقبة النفس ، وتحقيق المعاني المشروعة من الحب والخوف والرجاء أولى بالعناية وأحق بالرعاية ، وإن كان ميدان التنافس في هذا ضعيفاً ؛ لأن الناس يتنافسون –عادة- فيما يكون مكسبة للحمد والثناء من الأمور الظاهرة التي يراها الناس ، ولا يجدون الشيء ذاته في الأمور الخفية التي لا يطلع عليها إلا الله ، وربما تحرى امرؤ صفة نبوية في عبادة أو عمل واعتنى بها وتكلف تمثلها فوق المشروع ، دون أن يكلف نفسه عناء التأمل في سر هذه الصفة وحكمتها وأثرها في النفس .
وهذه المسائل ، حتى التعبدية منها ؛ ما شرعت إلا لمنافع الناس ومصالحهم العاجلة والآجلة ، وليست قيمتها في ذاتها فحسب ، بل في الأثر الذي ينتج عنها فيراه صاحبه ويراه الآخرون .
وإنه لخليق بكل مسلم أن يجعل له ورداً من سيرة المصطفى -عليه السلام- ، إن كان ناشئاً فمثل ( بطل الأبطال ) لعزام، وإن كان شاباً فمثل ( الشمائل المحمدية ) لابن كثير أو الترمذي ، و ( الفـصول ) لابـن كثير ، أو ( مختصر السـيرة ) أو ( الرحيق المختوم ) أو ( تهذيب سيرة ابن هشام ) وإن كان شيخاً فمثل ( سيرة ابن هشام ) أو ( ابن كثير ) وإن كان متضلعاً بالمطولات فمثل ( سبل الهدى والرشاد ) وكتاب ( نضرة النعيم ) .رزقنا الله حب نبيه وحسن اتباعه ظاهراً وباطناً وحشرنا في زمرته مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
نسب النبي صلى الله عليه وسلم من جهة أبيه وأمه
هو سيدنا ونبينا محمد سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصَيِّ بن حكيم بن مُرّة بن كعب بن لُؤيِّ بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النَّضْر بن كِنانة بن خُزَيْمَة بن مُدْرِكَة بن إلياس بن مُضَر بن نِزار بن مَعَدِّ بن عَدْنان.
هذا هو النسب المتفق على صحته، كما اتفقوا على أن النسب المحمدي الشريف يتصل بسيدنا إسماعيل بن سيدنا إبراهيم عليهما الصلاة والسلام ولكن سلسلة النسب بين عدنان وسيدنا إسماعيل عليه السلام لم يثبت علمها من طريق صحيح.
فالجد الأول للنبي صلى الله عليه وسلم هو عبد المطلب بن هاشم وكان شيخاً معظماً في قريش يحترمونه ويرجعون إليه في مهمات أمورهم.
وأمه صلى الله عليه وسلم هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن حكيم ابن مرة الذي هو الجد الخامس للنبي صلى الله عليه وسلم من جهة أبيه.
مما سبق تعلم أن أباه وأمه صلى الله عليه وسلم من أصل واحد، وأنهما يجتمعان في حكيم بن مرة (وكان يسمى كلابا)، وأن عبد مناف بن زهرة الذي هو الجد الثاني للنبي صلى الله عليه وسلم من جهة أمه غير عبد مناف الجد الثالث للنبي صلى الله عليه وسلم من جهة أبيه.
ومن جدودهما فهر الذي هو (قريش)، وهو عاشر أجداد النبي صلى الله عليه وسلم، وإليه تنسب أمة قريش كلها، وقد تفرعت منه اثنتا عشرة قبيلة سميت باسمه، منهم بنو عبد مناف الذي هو الجد الثالث للنبي صلى الله عليه وسلم، فهو صلى الله عليه وسلم من صميم قريش المشهود لهم بالشرف ورفعة الشأن بين العرب.
وأجداده من جهة أبيه وأمه كلهم سادة كرام، وكل اجتماع بين أجداده وزوجاتهم كان شرعياً بحسب الأصول العربية، فلم يكن في نسبه الشريف شيء من سفاح الجاهلية فهو نسب شريف طاهر من آباء طاهرين وأمهات طاهرات والحمد لله رب العالمين.
مولده صلى الله عليه وسلم
تزوج عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن حكيم؛ وعمره ثماني عشرة سنة ، وهي يومئذ من أفضل نساء قريش نسباً وأكرمهم خلقاً. ولما دخل بها حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وسافر والده عبد الله عقب ذلك بتجارة له إلى الشام فأدركته الوفاة بالمدينة (يثرب) وهو راجع من الشام ، ودفن بها عند أخواله بني عدى بن النجار، وكان ذلك بعد شهرين من حمل أمه آمنة به صلى الله عليه وسلم.
وقد توفي والد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يترك من المال إلا خمساً من الإبل وأمَته (أم أيمن).
ولما تمت مدة الحمل ولدته صلى الله عليه وسلم بمكة المشرفة في اليوم الثانى عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل، الذي يوافق سنة 571 من ميلاد المسيح عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام، وهو العام الذي أغار فيه ملك الحبشة على مكة بجيش تتقدمه الفيلة قاصداً هدم الكعبة (البيت الحرام) فأهلكهم الله تعالى.
كانت ولادته صلى الله عليه وسلم في دار عمه أبي طالب في شِعْب بني هاشم، أي مساكنهم المجتمعة في بقعة واحدة، وسماه جده عبد المطلب (محمداً) ولم يكن هذا الاسم شائعاً إذ ذاك عند العرب ولكن الله تعالى ألهمه إياه فوافق ذلك ما جاء في التوراة من البشارة بالنبي الذي يأتي من بعد عيسى عليه الصلاة والسلام مسمى بهذا الاسم الشريف، لأنه قد جاء في التوراة ما هو صريح في البشارة بنبي تنطبق أوصافه تمام الانطباق على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: مسمى، أو موصوفا بعبارة ترجمتها هذا الاسم، كما جاءت البشارة به صلى الله عليه وسلم على لسان عيسى عليه الصلاة والسلام باسمه أحمد، وقد سمى بأحمد كما سمى بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وكانت قابلته صلى الله عليه وسلم الشفاء أم عبد الرحمن بن عوف وحاضنته أم أيمن بركة الحبشية أَمَة أبيه عبد الله، وقد ورد في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم وُلد مختوناً، وورد أيضا أن جده عبد المطلب ختنه يوم السابع من ولادته الذي سماه فيه..
رضاعه صلى الله عليه وسلم
أرضعته صلى الله عليه وسلم أمه عقب الولادة، ثم أرضعته ثويبة أَمَة عمه أبي لهب أياماً، ثم جاء إلى مكة نسوة من البادية يطلبن أطفالاً يرضعنهم ابتغاء المعروف من آباء الرضعاء على حسب عادة أشراف العرب، فإنهم كانوا يدفعون بأولادهم إلى نساء البادية يرضعنهم هناك حتى يتربوا على النجابة والشهامة وقوة العزيمة، فاختيرت لإرضاعه صلى الله عليه وسلم من بين هؤلاء النسوة (حليمة) بنت أبي ذؤيب السعدية؛ من بني سعد بن بكر من قبيلة هوازن التي كانت منازلهم بالبادية بالقرب من مكة المكرمة، فأخذته معها بعد أن استشارت زوجها (أبو كبشة) الذي رجا أن يجعل الله لهم فيه بركة، فحقق الله تعالى رجاءه وبدل عسرهم يسراً، فَدَرَّ ثديها بعد أن كان لبنها لا يكفي ولدها ، ودَرَّت ناقتهم حتى أشبعتهم جميعاً بعد أن كانت لا تغنيهم ، وبعد أن وصلوا إلى أرضهم كانت غنمهم تأتيهم شباعاً غزيرة اللبن مع أن أرضهم كانت مجدبة في تلك السنة، واستمروا في خيروبركة مدة وجوده صلى الله عليه وسلم بينهم.
ولما كمل له سنتان فصلته حليمة من الرضاع، ثم أتت به إلى جده وأمه وكلمتهما في رجوعها به وإبقائه عندها فأذنا لها بذلك.
حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم
بعد عودة حليمة السعدية به صلى الله عليه وسلم من مكة إلى ديار بني سعد بأشهر، بعث الله تعالى مَلَكين لشق صدره الشريف وتطهيره، فوجداه صلى الله عليه وسلم مع أخيه من الرضاع خلف البيوت، فأضجعاه وشقا صدره الشريف وطهراه من حظ الشيطان، وكان ذلك الشق بدون مدية ولا آلة بل كان بحالة من خوارق العادة ، ثم أطبقاه، فذهب ذلك الأخ إلى أمه حليمة وأبلغها الخبر، فخرجت إليه هي وزوجها فوجداه صلى الله عليه وسلم منتقع اللون من آثار الروع ، فالتزمته حليمة والتزمه زوجها حتى ذهب عنه الروع ، فقص عليهما القصة كما أخبرهما أخوه. وقد أحدثت هذه الحادثة عند حليمة وزوجها خوفاً عليه، ومما زادها خوفاً أن جماعة من نصارى الحبش كانوا رأوه معها فطلبوه منها ليذهبوا به إلى ملكهم، فخشيت عليه من بقائه عندها، فعادت به صلى الله عليه وسلم إلى أمه وأخبرتها الخبر، وتركته عندها مع ما كانت عليه من الحرص على بقائه معها.
وفاة أمه صلى الله عليه وسلم وكفالة جده وعمه له
بعد أن عادت حليمة السعدية به صلى الله عليه وسلم إلى أمه - وكان إذ ذاك في السنة الرابعة من عمره الشريف - بقى مع أمه وجده عبد المطلب بن هاشم بمكة في حفظ الله تعالى، ينبته الله نباتاً حسناً ، ثم سافرت به أمه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة لزيارة أخواله هناك من بني عدى بن النجار ، فتوفيت وهي راجعة به من المدينة إلى مكة بجهة (الأبواء) بالقرب من المدينة ودفنت هناك، فقامت به إلى مكة حاضنته أم أيمن وقد بلغ من العمر يومئذ ست سنين، ولما وصلت إلى مكة كفله جده عبد المطلب بن هاشم، وحن إليه حناناً زائداً وعطف عليه عطفاً بليغاً، حتى توفي عبد المطلب وعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان سنين.
وكان جده عبد المطلب يوصي به عمه أبا طالب -الذي هو الأخ الشقيق لأبيه- فلما مات عبد المطلب كان صلى الله عليه وسلم في كفالة عمه أبي طالب يشب على محاسن الأخلاق، متباعداً عن صغائر الأمور التي يشتغل بها الصبيان عادة ، وقد بارك الله تعالى لأبي طالب في الرزق مدة وجوده صلى الله عليه وسلم في كفالته وفي وسط عياله
سفره صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب إلى الشام
لما أراد أبو طالب أن يسافر إلى الشام في تجارة له رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرافقه، فأخذه معه وسنه إذ ذاك اثنتا عشرة سنة ، ولما وصلوا بصرى وهي أول بلاد الشام من جهة بلاد العرب قابلهم بها راهب من رهبان النصارى اسمه (بحيرا) – كان يقيم في صومعة له هناك – فسألهم عن ظهور نبي من العرب في هذا الزمن، ثم لما أمعن النظر في النبي صلى الله عليه وسلم وحادثه عرف أنه النبي العربي الذي بشر به موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام ، وقال لعمه أنه سيكون لهذا الغلام شأن عظيم، فارجع به واحذر عليه من اليهود ، فلم يمكث أبو طالب في رحلته هذه طويلاً بل عاد به إلى مكة حين فرغ من تجارته، وبقى صلى الله عليه وسلم في مكة مثال الكمال، محفوظاً من معايب أخلاق الجاهلية، شهماً شجاعاً حتى إنه حضر مع أعمامه حرب (الفجار) و (حلف الفضول)، وسنه إذ ذاك عشرون سنة.
أما (الفجار) فهي حرب كانت بين قبيلة كنانة ومعها حليفتها قريش وبين قبيلة قيس، وقد ابتدأت هذه الحرب فيما بين مكة والطائف ووصلت إلى الكعبة، فاستحلت حرمات هذا البيت الذي كان مقدساً عند العرب ولذلك سميت حرب (الفجار).
وأما (حلف الفضول) كان عقب هذه الحرب، وهو تعاقد بطون قريش على أن ينصروا كل من يجدونه مظلوماً بمكة سواء كان من أهلها أو من غير أهلها